بقلم: أليكس هكتور دونكان/ الرئيس العالمي لأبردين ستاندرد إنفستمنتس
بوابة اوكرانيا- الإمارات، 10 مارس 2021: تحل هذه الأيام الذكرى الأولى لعمليات الإغلاق التي شهدها العديد من الأماكن أوروبا وحول العالم بعد تأكد انتشار جائحة كوفيد-19، ليعيش الناس من مختلف الثقافات تحديا كبيرا كان العمل من المنزل أحد جوانبه، وما أدى إليه ذلك من اضطرار المؤسسات وأرباب الأعمال للتعاطي مع الوضع الجديد والتكيف لتسيير دفة الأعمال خلال وقت استثنائي غير مسبوق.
ويؤكد أليكس هيكتور دونكان، الرئيس العالمي لأبردين ستاندرد إنفستمنتس، أن العديد من الخبراء والاختصاصيون طرحوا العديد من التساؤلات من قبيل جدوى العمل عن بعد، وصيغت العديد من الأطروحات حول مزاياه عيوبه. وبرزت فرضية مفادها أننا أخيرا سنتمكن من تحقيق التوازن بين العمل والحياة بمتابعة وظائفنا من المنازل، لكن الواقع ان مصطلح “التوازن بين العمل والحياة” صار يعني شيئًا مختلفًا تمامًا عما كان منذ عام أو نحو ذلك. إذ أن العمل من المنزل أثناء الجائحة ليس هو نفسه العمل المعتاد، حيث برزت مجموعة من الظروف الشخصية أثرت على قدرتنا على تحقيق التوازن بين العمل والحياة، سواء أكانت تتعلق بالتزامات تقديم الرعاية أو التعليم في المنزل للأبناء أو تحديات الاتصال، والقائمة تطول عندما نذكر ما مررنا به من تحديات جعلت الكثيرين وكأنهم يعيشون في العمل ولا يعملون من المنزل.
ويمكن ملاحظة أن تصورات الناس للعمل عن بعد من المنزل تغيرات خلال العام الماضي، ففي بداية الإغلاق، جاهد الكثيرون ليثبتوا لصاحب العمل قدرتهم على العمل والإنتاج من المنزل، ونضجت تصوراتهم لاحقا -بعد عدة أشهر – وصار العديد من الموظفين يتوقون للعودة إلى المكاتب لمشاركة الأفكار مع الآخرين، والتواصل البسيط مع الزملاء دون الحاجة إلى ترتيب مكالمة فيديو، وبرأيي الأهم من ذلك هو أن هذه الفرصة كانت فرصة مثالية للتعلم، فبالنسبة لمعظم الشركات تعلمت أن الاحتفاظ بالمواهب وتوظيفها أمر مهم جدا، وعلى الجانب الآخر بدا أن المواهب الشابة تحتاج لبيئة المكتب حتى يمكنها التعلم والتطوير فيها.
المرونة كضرورة والإنجاز كمعيار للتقييم
ويشير الرئيس العالمي لأبردين ستاندرد إنفستمنتس، إلى أنه مع تباين الآراء إزاء عودة العمل من المكاتب؛ تحدى العام الماضي كافة التصورات القديمة غير المختبرة فعليا للعمل من المنزل، ولم يكن أمام العديد من الشركات خيار سوى التخلي تمامًا عن النمط القديم للعمل -من الاثنين إلى الجمعة بواقع تسع ساعات يوميا- والتكيف بأي طريقة ممكنة مع الظرف الجديد.
فقد أجبرت الجائحة بعض أصحاب العمل على الطلب من القوى العاملة بأكملها (أو بعضها) العمل من المنزل، والاعتماد على مجموعة جديدة من التكنولوجيا الحديثة للتواصل، وأُجبر الجميع على التركيز على النتائج بدلاً من الوقت الفعلي الذي يقضيه الموظف في المكتب، وبالتالي أعاد ذلك الثقة لمعيار الإنجاز في تقييم الأعمال.
ويضيف أليكس دونكان: ” عاد مصطلح “المرونة” بقوة إلى الساحة؛ فبالنسبة لنا كأفراد قد لا نحقق التوازن الصحيح بين العمل والحياة في ظل الظروف العادية، ولكن خارج المكتب تمتع البعض بمزيد من المرونة في التحكم في ساعات عملهم مع إمكانية دعم الظروف الشخصية بحرية أكبر، والسؤال هو، كيف يمكن ترجمة هذه الطريقة الجديدة في العمل بعد عودتنا للعمل من المكاتب بشكل تقليدي؟”.
العمل ما بعد الجائحة
ستنقضي الجائحة ونعود للعمل من المكاتب يوما ما، ربما يجد البعض صعوبة في تصور ما سيبدو عليه الأمر وقتها فبعد الاعتياد على العمل سوف يجد الموظف صعوبة في العودة لما قبل، وبالطبع يختلف ذلك من مكان لأخر حسب الخلفيات الثقافية والبنية التحتية والبيئات المعيشية، لكن المؤكد أن الموظفين سيبحثون عن مرونة أكبر في عالم ما بعد كوفيد-19، حيث تشير بيانات المسح إلى أن غالبية الموظفين على مستوى العالم يتطلعون إلى العمل من المنزل بين يوم إلى يومين في الأسبوع.
وتبقى الأسبقية لتوفير بيئة عمل مثالية، حيث تلعب عوامل الصحة والعافية دورا حاسما في زيادة الإنتاجية، وهذا يعني أنه سيكون هناك مساحة أكبر مخصصة لكل موظف مع عدد أقل من الموظفين في المكتب.
وربما يصبح النظام الكلاسيكي القديم القائم على العمل من التاسعة إلى الخامسة شيئًا من الماضي، وربما يتم استبداله بمزيج من أنماط العمل المخصصة لكل فرد؟ صحيح أنه من الصعب تصور إنجاز هذا الأمر في الواقع لكنه بالقطع سيحدث. كما أننا نقطع أن العلاقة الوثيقة بالتكنولوجيا الحديثة ستستمر لضمان بقاء الإنتاجية بغض النظر عن موقع الموظف، كما سوف تستمر المرونة والثقة من أصحاب العمل تجاه موظفيهم.
وختاما؛ تأتي الفرص مع التغيير، هذه حقيقة بشرية نتوارثها، ويمكن القول إن تحدي كوفيد-19، لم يكن إلا كمحفز لتسريع الاتجاهات التي كانت موجودة بالفعل قبل وقت طويل من انتشار الجائحة. وعندما نعود إلى أعمالنا سنجد العديد من القواعد الجديدة قد وضعت، واحتلت أهمية بعدما مررنا بعام من التحديات – على المستويين الشخصي والمهني – ولكن أدت لبعض الإيجابية فيما يخص عمل المكتب والقوى العاملة فيه، فتأكدت أهمية الاجتماع مع الزملاء للإنجاز والإبداع مع اتخاذ إجراءات الوقاية والسلامة.