بقلم: د. واصف يوسف العابد
مقدمة
في ظل عالم متغير يشهد تحديات متسارعة، من أزمات اقتصادية وجيوسياسية، إلى تحوّلات رقمية وبيئية، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تنمية اجتماعية شاملة تُعيد التوازن والعدالة داخل المجتمعات.
فأوجه عدم المساواة الجديدة، سواء على أساس النوع الاجتماعي، أو الموقع الجغرافي، أو الانتماء العرقي أو الرقمي، أصبحت تُهدد تماسك المجتمعات واستقرارها، وتُغذي النزاعات والتوترات، وتُعمّق من التحيّز المالي والاقتصادي.
إن التنمية الاجتماعية الشاملة لم تعد خيارًا، بل ضرورة ملحة لبناء مجتمعات قادرة على الصمود، متصالحة داخليًا، ومزدهرة اقتصاديًا وروحيًا.
ما المقصود بالتنمية الاجتماعية الشاملة؟
هي عملية متكاملة تهدف إلى:
• تعزيز العدالة الاجتماعية وتقليص الفجوات بين الأفراد والفئات.
• تمكين الفئات المهمّشة والضعيفة من الوصول إلى الحقوق والخدمات.
• ضمان المساواة في الفرص بصرف النظر عن الخلفية أو الهوية.
• تعزيز المشاركة المجتمعية في رسم السياسات واتخاذ القرارات.
وتستند هذه التنمية على مبادئ: الإنصاف، الكرامة الإنسانية، الإدماج، والاستدامة.
أوجه عدم المساواة الجديدة في العالم العربي
- عدم المساواة الرقمية: الفجوة في الوصول إلى الإنترنت والتقنيات بين المدن والقرى، بين الرجال والنساء، وبين الطبقات الاجتماعية.
- التحيّز المالي: عدم تمكّن شريحة كبيرة من المواطنين من الوصول إلى التمويل والخدمات المصرفية.
- الإقصاء الاجتماعي والسياسي لبعض الفئات مثل اللاجئين، الأشخاص ذوي الإعاقة، أو الفئات السكانية في مناطق النزاع.
- تأنيث الفقر: معاناة النساء من قيود اقتصادية واجتماعية مضاعفة.
- نزاعات الهوية والانتماء التي تهدد التماسك الاجتماعي في بعض الدول.
أثر النزاعات على العدالة الاجتماعية
النزاعات، سواء كانت سياسية أو طائفية أو اقتصادية، تؤدي إلى:
• تهجير داخلي وخارجي.
• تفكك البنى الأسرية والمجتمعية.
• فقدان فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية.
• تصاعد الكراهية والتمييز والتهميش.
لذلك، فإن التنمية الاجتماعية الشاملة تُمثّل خط الدفاع الأول ضد النزاعات، كونها تعالج جذور الظلم والإقصاء.
تقليص التحيّز المالي كجزء من التنمية الشاملة
التحيّز المالي يظهر عندما تُحرم فئات معينة من الوصول العادل للتمويل، مثل:
• النساء الريفيات.
• أصحاب المشاريع الناشئة من خلفيات فقيرة.
• الشباب غير القادرين على توفير الضمانات.
وللتصدي لذلك، يجب:
• توسيع أدوات التمويل الأصغر والشامل.
• تحفيز البنوك لتقديم منتجات مرنة تتناسب مع واقع الفئات الضعيفة.
• الرقمنة المصرفية لإيصال الخدمات للجميع.
• حملات تثقيف مالي ومصرفي لتقليص فجوة المعرفة.
دور المنظمة العربية للتنمية المستدامة
تسعى المنظمة العربية للتنمية المستدامة إلى:
• تمكين المجتمعات الهشة والمهمشة عبر برامج محلية ترتكز على المشاركة.
• دعم المشاريع الشبابية والنسائية في المناطق الأقل حظًا.
• تعزيز الثقافة المجتمعية للسلام والعدالة والمساواة.
• بناء شراكات مع المؤسسات المالية لتقليص الفجوة المالية والتمييز الاقتصادي.
• دعم استراتيجيات وطنية للتنمية الشاملة المتوازنة.
خاتمة:
إن مواجهة التحيّز المالي، والنزاعات، وأوجه عدم المساواة الجديدة لا يتم عبر المسكنات المؤقتة، بل عبر ثورة تنموية شاملة تبدأ من الإنسان وتنتهي بالإنسان.
علينا أن نبني مجتمعات لا يُقصى فيها أحد، ولا يُترك فيها فرد خلف الركب، ولا يُقيّم الناس فيها وفق ممتلكاتهم أو مكان ولادتهم، بل بقيمتهم وقدرتهم على الإبداع والمشاركة.
التنمية الاجتماعية الشاملة ليست هدفًا بعيدًا، بل طريقًا نرسمه معًا بالعدالة، بالشراكة، وبالإيمان بقدرتنا على التغيير.